معركة الإنترنت.. تصور منهجي بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد: الدعوة في سباق تاريخي لتغليب مزايا الإنترنت على أخطاره والأساس في إمكانية الفوز هو تحديد تصور منهجي لتحقيق هذا الفوز بإذن الله، وفي المقابل فإنّ هناك حقيقة يجب الانتباه إليها وهي أنّ الأخطار قاتلة يتطلب تفاديها أكبر قدر من الإيمان والفطنة والإنضباط، ويمكن إدراك هذه الحقيقة من خلال تحديد هذه الأخطار: الأخطار الأساسية: وللإنترنت.. في التصور المنهجي للدعوة أخطار يجب الحذر منها وهو أن ينسحب واقع الدعوة ليدخل بكل أبعاده إلى مجرد مساحة إلكترونية يتحكم فيها أعداء الدعوة بالإلغاء والتجسس والاختراق، وأن ينفصل أصحاب الدعوة عن واقع النّاس وحياتهم والتأثير العملي فيهم، وليتحول الدعاة من صناعة الأحداث ـ بإذن الله ـ إلى مجرد متابعة إخبارية لها. ومن أهم أسباب الانفصال عن الواقع بالإنترنت هو كثرة الفائدة ومن هنا يلزم أن يكون إختيار المواد العلمية التي نحتاجها من الإنترنت بقاعدة الأهم وليس المهم، فتبحث دائما عن أهم المواد حتى يمكنك ترك الجهاز للوفاء بحق الواقع ومقتضياته لأنّ الانفصال بالإنترنت عن الواقع يتحول بالدعوة وحركتها الواقعية إلى مجرد ظاهرة نظرية، وتتحول انتصارات الدعوة في حياتنا إلى مجرد مناظرات كلامية. وتتحول العلاقات الأخوية الشخصية الكاملة في مجال الدعوة إلى علاقات إلكترونية مشفرة. ومن أخطر آثار الإنترنت، يأتي خطر التحول بالإنسان المسلم بكل طاقته الحركية إلى شخصية ساكنة فيفقد حيويته وحركيته بعد بقاءه طوال الوقت أمام الإنترنت. ثم يأتي خطر التعامل المباشر معه، ومن ذلك أن يتحول واقع الدعوة إلى مجرد مواقع ومنتديات ومدونات مفاتيحها بيد الأعداء، ممّا يعني وبصورة مباشرة تسليم واقع الدعوة لهؤلاء الأعداء. ومن أخطار الإنترنت ضياع الإحكام المنهجي في طرح قضايا الدعوة، وهو الأمر الناشيء عن فوضى الطرح الدعوي في هذا المجال كنتيجة لأخذ المواجهة حجمًا كلاميًا غير مفيد وكثافة فكرية غير مؤثرة. فيجب التأكد من أنّك تكتب موضوعًا مفيدًا جديدًا أو موضوعًا سبق الكتابة فيه ولكنّك تعالجه من زاوية جديدة أو منظور جديد منعًا من تكرار الكلام، ولا مانع أصلاً من كثرة الكتابة المفيدة المؤثرة بل إنّ تكرار الكلمة المفيدة المؤثرة أمر واجب. وكذلك تحول الاجتهاد الفكري إلى ظاهرة قص ولصق، فيجب التنبيه إلى حرمة النقل عن الغير دون الإشارة إلى المصدر ممّا يتنافى مع الأمانة العلمية... ونشر العلم وضرورة المواجهة لايصلح مبررا لهذا العمل حتى يبارك الله لنا فيما نكتب ونفعل، كما أنّ النقل عن الغير دون الإحالة إلى المصدر يحدث أثرًا في نفس صاحب المصدر يؤثر في الحب الواجب بيننا، وأشد مجالات ظهور فوضى الطرح الدعوي الذي يجب الانتباه إليه.... المنتديات.. إذ يأتي خطرها من نظامها، حيث تكون مساحتها مفتوحة بغير ضوابط فيستطيع أي أحد أن يقول مايشاء حتى أنّ عرض الآراء بغير ضوابط ينشأ حالة من الفوضى الفكرية لأنّ من يتكلم غير معروف بشخصه على الحقيقة، فيهدر فيه علماء حقيقيون ويظهر فيه أدعياء كثيرون. والبناء الاجتماعي للأمة قائم على أساس العلاقة بين النّاس والعلماء، وإهدار علماء الأمة يحدث خللاً في هذا البناء، والبناء الاجتماعي للأمة قائم كذلك على التآلف القلبي. وفي المنتديات تظهر الخلافات التي يمكن حسمها في حدود أطرافها بدلا من أن تصبح معلنة فيتمكن حظ النفس والهوى، والإختلاف يضعف الأخلاق ويشيع سوء الألفاظ فتتكدر الصورة الوضيئة للدعوة إلى دين الله عز وجل. خطر الإباحية والحقيقة أنّ أصحاب الدعوة المتعاملين مع الإنترنت واقفون في خط خطير من خطوط الدعوة، حيث أصبح هذا المجال يمثل أكبر روافد المعرفة للمسلم في هذه الحرب، ولذا يحاول الأعداء تسميم هذه الروافد ببث الإباحية في مصادر هذه المعرفة. كما يجب الانتباه إلى أنّ أعداء الإسلام يملكون خبرة تاريخية ومكر شديد، ومن ذلك أنّه يفترض أنّ كل من يبحث في الانترنت في قضية الحرب على التنصير والإستشراق يجب إقصاءه فيضعون تلك الألغام الإباحية في طريقه، فيجب الانتباه لهذا الخطر والتعامل مع الجهاز بتقوى الله والعمل بقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". ومن هنا تنشأ ضرورة أن تغطي المواقع الإسلامية أكبر قدر ممّا يحتاجه المسلم دون الإضطرار إلى التحرك في تلك الألغام الإباحية. مساحة الإنترنت ومواجهة الهجمة الصليبية وممّا لاشك فيه أنّ الهجمة الصليبية الأخيرة على الإسلام أحدثت في بدايتها صدمة كبيرة عند المسلمين، لأنّهم لم يكونوا يتوقعون كل هذا الكره والعداء الذي تحمله قلوب أعدائهم لهم، وقد ساعد الإنترنت على كشف مدى الكراهية والحقد الذي يكنه الأعداء للإسلام وللمسلمين ذلك لأنّهم استطاعوا أن يتكلموا بما في قلوبهم دون خوف أو خشية، وقد نبه القرآن من قبل في قول الله سبحانه {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ..} [سورة آل عمران: من الآية 118]. وقول الله {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء} تدل على محاولة الإخفاء خوفا من العاقبة فلما استطاعوا أن يتكلموا بلا خوف من خلال الإنترنت انكشف ما تخفي صدورهم، ومعنى الآية قائم لأنّ ما تخفي صدورهم سيبقى أكبر ممّا ينكشف، وصدق الله {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ..} [سورة آل عمران: من الآية 118] رغم كل ما يظهروه وقد كان لهذه الصدمة آثارها الواضحة في الموقف الإسلامي الذي حدث كرد فعل تلقائي للمسلمين... ودون ترتيب مسبق ليقفوا ـ بعد الإفاقة من الصدمة ـ في مواجهة الهجمة وقفة شرعية منهجية مؤصلة، وكان المجال الذي أظهر ما في قلوب الأعداء وهو مجال المواقع والمنتديات وغرف البالتوك والقنوات الفضائية هو أهم مجالات هذه المواجهة.. فكان لابد من منازعة الجاهلية في هذا المجال ومنازعتها في كل أهدافها، وكان لابد في هذا المجال من خطة يمكن بها الارتفاع بالمواجهة إلى المستوى المطلوب، ولكي تكون الخطة صحيحة كان لابد من واقعيتها التي تقوم على المعالجة المباشرة لكل الأخطاء الناتجة عن الصدمة وكان أخطرها: ـ افتقاد التصور السلفي في المواجهة. ـ ضعف المستوى العلمي كنتيجة دخول عناصر إلى واقع المواجهة من المدخل العاطفي. ـ كثرة الكتابات المعادة والمكررة. ـ الردود المتعجلة على الشبهات. ـ تشتت الجهود كنتيجة لافتقاد العمل المنظم. ومن هذه الأخطاء تحددت أساسيات الخطة ابتداءً كمعالجة لكل آثار الهجمة المفاجئة، وانتهاءً لتحقيق أهداف الدعوة في هذا المجال، فكانت أهم هذه الأساسيات: ـ ضرورة الكتابة والرد بالمستوى العلمي المناسب في اتجاهات أساسية ثلاث: الإسلاميات: وفيها يجب الالتزام بالمنهج السلفي في التفكير والاستدلال والطرح والرد. ومن الضروري الإيمان بأنّ التصور السلفي هو أقدر المناهج الفكرية على المواجهة، وسلفية هذه المواجهة تعني قيامها على نصوص القرآن والحديث وأقوال السلف، والذي يعنينا هنا هو تحديد المعنى المقصود بالسلفية في المواجهة مع النصرانية المحرَّفة، وهو: "الالتزام بمنهج السلف في الفهم والاعتقاد قبل المواجهة"، وفي هذا الإطار يجب التنبيه على أنّ أصحاب عقيدة التوحيد الخالص هم أقدر النّاس على المواجهة الصحيحة للنصرانية المحرَّفة، وهم الذين يملكون التصور الكامل لتلك المواجهة، حتى إنّ من يقرأ الكتابات السلفية في هذا المجال يتبين له هذا الأمر بصورة واضحة، والمثال على ذلك كتاب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) للإمام ابن تيمية. والمواجهة السلفية للنصرانية المحرَّفة تتميز بالتجرد المطلق للحق، والبعد التام عن التعصب، ودليل ذلك.. التقييم الموضوعي للقضايا المطروحة، وهو الأمر الذي أخذه سلفُنا الصالح من القرآن في مناقشته لهذه القضية، مثل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 75] فتقرر الآية أنّ منهم من يؤدي الأمانة ومنهم من لا يؤديها. وبمناسبة سلفية المواجهة يجب الانتباه إلى أنّ الموضع الشرعي والفطري للعلم هو الصدور بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا يجب الاهتمام بحفظ القرآن ليكون القلب عامر به لأنّ العلم أصلا في الصدور. كما يجب الانتباه إلى أنّ أساس تلقي العلم إنّما يكون عن الشيوخ فلا يغرنك توافر العلم في الإنترنت عن أن يكون لك شيخاً تتلقى عنه وفي ذلك عدة مزايا: أهمها توفير الجهد وتسديد الفهم وتعلم الأدب والحرز من الغرور، لأنّ الشيخ يجعل المتعلم يتذكر دائما أنّ هناك من هو أعلم منه وهو الذي تعلم على يديه العلم، كما يجب معايشة النصوص الشرعية معايشة كاملة لأنّ فراغ القلب والصدر من القرآن والنصوص الشرعية يحرم المسلم من اليقين والإطمئنان وهو في أمس الإفتقار إليهما، وخصوصا في مواجهة الفتن والشبهات. وفي هذا الصدد يجب الانتباه إلى أنّ المصادر الإسلامية القديمة التي تناقش النصرانية يرد فيها أسماء فرق لاوجود لها الآن إسما، ولكن الموجود حتى الآن هو المضمون المذهبي لهذه الطوائف فيجب تطبيق مسميات الفرق القديمة على أسمائها الحديثة مثل: - اليعقوبية وهم الآن الأرثوذكس. - الملكانية وهم الآن الكاثوليك. كما أنّ الكتب السلفية القديمة تذكر شواهد لاوجود لها الآن في الكتب التي بين أيديهم، وسبب ذلك ليس راجع إلى السلف ولكن إلى التغيير المستمر في كتاباتهم هم. النصرانيات: وفيها يجب الالتزام بالدراسة الدقيقة المتخصصة للمصادر النصرانية والإحالة السليمة لتلك المصادر، والإحالة الصحيحة إلى كتاباتهم تكون بذكر الكتاب وذكر الطائفة التي يتبعها الكتاب وذكر تاريخ الطبعة، فتقول مثلا: إنجيل كذا ..إصحاح كذا.. فقرة كذا..نسخة فانديك(الشائعة). وفي حال الرجوع إلى نسخة أخرى في نفس العبارة يذكر النسخة وصاحبها مثل أن تقول: إنجيل كذا، نسخة كذا. يجب الإستفادة من البحوث الغربية والاهتمام بترجمتها حيث أنّ هذه البحوث قطعت شوطًا هائلاً في إثبات التحريف النصراني ممّا يتطلب الإهتمام باللغات الأجنبية، مع الحذر من الاستغراق الزائد عن الحد في تلك الكتابات النصرانية حتى لاتطغى على معايشة النصوص الشرعية الإسلامية، وحتى لا نحرم من الطمأنينة القلبية التي تتحقق بتلك النصوص كما تبين آنفا. المتابعة الواقعية: وهي المتعلقة بواقع المواجهة وتطوراتها وأساليبها ومواقعها الميدانية، وليكن معلومًا أنّ معركة الإنترنت رغم أهميتها فهي غير قادرة على حسم المواجهة من غير الاهتمام بالواقع ومتابعته ومعرفة ما يجري فيه، فيجب الحذر من الانفصال عن الواقع الميداني للدعوة. والمواجهة من خلال الإنترنت يجب تقييمها على أنّها ضرورة وثائقية تاريخية لتطور الصراع مع أعداء الإسلام ولعل بداية "الغرف النصرانية المعادية" للإسلام تذكر بقيمة متابعة هذا التطور، كما أنّه مؤشر للحالة الفكرية الإسلامية يساعد على التقييم المستمر لها لرفع مستواها وتوجيهها إلى الصواب. وكمواجهة لضعف المستوى العلمي في مجالات المواقع والمنتديات والمدونات، يجب القيام بانتقاء أقوى ما طرح سواءً في كتب التراث أو كتب المحدثين أو البحوث والمقالات في كل إتجاهات المواجهة، وجمع كل المحاولات الفكرية المتميزة ووضعها في إطار وثائقي وإعلامي لإبرازها كمرجع يستفيد منه الجميع... وبخصوص الرد على الشبهات تحديدًا.. - يجب قراءة كل الردود المطروحة ابتداءً قبل طرح رد آخر. - كما يجب التنبيه إلى أقوى ماكتب للرد على الشبهة والإحالة إليها. وكل من يقف على خط المواجهة للحملة التنصيرية سيكون واقفًا أمام شياطين الإنس والجن معا، ومن هنا يجب الاهتمام بالتسمية والذكر أثناء الدخول في هذا المجال ونحن نقوم بمهمة الدفاع عن الدين ليتحقق التحصن والنجاة. وفي النهاية، يجب أن ندخل معركة الإنترنت بثقة وطمأنينة كاملة بأنّنا على الحق وأعداؤنا على الباطل، وقد أظهرت النتائج الأولية للمعركة هذه الحقيقة وذلك بعد القدرة على جمع نصوص الدين من خلال الموسوعات.. فظهرت حقيقة الإحكام المنهجي في الإسلام بعكس النتائج الحادثة في النصرانية حيث كشف جمع النصوص النصرانية التناقض والنقص والغموض العقيدي والفكري. وفي النهاية، نحسن الظن بالله ونفوض الأمر إليه ونتوكل عليه مؤمنين بأنّ العاقبة لنا وأنّ الله رافع شأننا وناصرنا على أعدائنا. وفي النهاية، فإنّ أهم مقتضيات الواقعية في المواجهة هو الإستفادة بخبرة كل من يعمل في هذا المجال ممّا يتطلب تواصل بين جميع المشاركين فيه، لذا نعتبر هذه المقالة "دعوة إلى حوار دعوي مفتوح حول العمل في مجال الإنترنت". والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .