مقالات مقروءة


البدعة .. رؤية تحليلية


البدعة .. رؤية تحليلية بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد: الابتداع هو التضاد التام مع الدين.. لأنّه ليس مجرد خروج عليه، ولكنه تغيير فيه.. وهذا التغيير ليس مجرد تغيير لحقائق في الدين، ولكنه تفكيك للإحكام المنهجي الذي يقوم عليه الدين كلُّه.. عن غضيف بن الحارث الثُّماليِّ قال: بعث إليّ عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، إنَّا قد أجمعنا النَّاس على أمرين، قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنَّهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيءٍ منهما، قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال: «ما أحدث قومٌ بدعةً إلَّا رُفع مثلها من السُّنَّة، فتمسُّكٌ بسنَّةٍ خيرٌ من إحداث بدعةٍ». ودليل ذلك هو معنى الحكمة الدال على الإحكام، والمقابل لمعنى البدعة.. وذلك على أساس الارتباط بين الحكمة والإحكام من ناحية.. والتقابل بين الحكمة والبدعة من ناحية أخرى. قال الفضيل بن عياض: "ومن جلس مع صاحب بدعة؛ لم يُعطَ الحكمة". ولما كانت الحكمة مفهومًا يتعلق بالإنسان وشخصه ـ طبيعته وخُلقه ـ كانت أخطر آثار البدعة في شخصية المبتدع هي حرمان الحكمة. وقد بين ذلك الإمام أبو عثمان النيسابوري في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء: 89] قال: "هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة". وقال: "من أمَّر السنة على نفسه ـ قولًا وعملًا ـ نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه ـ قولًا وعملًا ـ نطق بالبدعة". حيث إنّ اتباع الهوى يجعل الإنسان ينطق بالبدعة بعد فقده للربانية، التي تجعله ينطق بالحكمة. وكما تقابلت البدعة مع الحكمة.. تقابلت آثار البدعة مع آثار الحكمة.. فأول آثار البدعة ذُل المبتدع، وأول آثار الحكمة عِزة الحكيم.. ولذلك أورد ابن كثير قول لقمان لابنه: "يا بني، إنّ الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك". ومن هنا كان الذل أول آثار البدعة في شخص المبتدع. قال الحسن البصري: "إن ذلَّ البدعة على أكتافهم، وإن هَمْلَجَت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين". وكل من "افترى بدعة" فإن ذُلَّ البدعة ومخالفة الرسالة متصلة من قلبه على كتفيه، كما روى أيوب السَّخْتَيَاني عن أبي قِلابة الجَرْمي أنه قرأ هذه الآية: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [سورة الأعراف: 152]، قال: "هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة". وقال سفيان بن عيينة: "كل صاحب بدعة ذليل". والذل الذي يصيب المبتدع ناشئ عن انفصاله عن الأمة، الذي يُفقده إحساسه بذاته.. بعد انفصالها عن السنة وأهلها.. ومن هنا كانت صيغة التعويض النفسي عند الخروج على الأمة هي المبالغة في العبادة، مثلما كان من أمر الخوارج.. فبينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلك! ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل». فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ! ائذن لي فيه أضرب عنقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». ولعلنا نلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم: «يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم». وهي المبالغة في العبادة التي تعالج غيبة إحساسه بذاته بعد انفصاله عن أمته. فبمجرد انقطاع المبتدع عن السنة ينقطع عن الأمة، وينقطع عن الله!! وكان لكل من الانقطاع عن الأمة والانقطاع عن الله أحكام تُحقق في واقع المبتدع ما كتبه الله عليه من الذل: أفقدته حرمته في المجتمع: أخرج البيهقي عن الحسن البصري قال: "ثلاثة ليس لهم حرمة في الغيبة: فاسق معلن الفسق، والأمير الجائر، وصاحب البدعة المعلن البدعة...". كما لا يكون لرأيه وزنٌ أو اعتبار: يقول الألوسي في تفسيره: "إن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة؛ فلا اعتبار بمخالفته؛ فلا تضر في انعقاد الإجماع". وبالجملة.. لا يكون للمبتدع حبٌّ ولا كرامةٌ: وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي: اسمع مني كلمة. فأعرض عنه، وقال: ولا نصف كلمة!، ومثله عن أيوب السختياني. وقال الفضيل بن عياض: "... ومن زوَّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحِمَها؛ ومن جلس مع صاحب بدعة لم يُعطَ الحكمة، وإذا علم الله من رجل أنّه مُبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له". أورد القرطبي في تفسيره: "من وقَّر صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم الإسلام". ومن هنا يتبين أنّ البُعد النهائي للبدعة هو هدم الدين، وهذا البُعد يتطلب قدرًا من التفسير. فعندما جاء في الحديث: «إنَّ مِن شِرارِ النَّاسِ مَن تُدرِكُه السَّاعةُ وَهُم أحياءٌ، وَمَن يَتَّخذُ الْقُبورَ مَساجدَ». فإننا نفهم ـ وفقًا لمنهجية الحديث النبوي ـ العلاقة بين الصنفين المذكورين في الحديث.. وهي أنّ الذين تقوم عليهم الساعة هم آخر الشر ومنتهاه، وأنّ الذين يتخذون القبور مساجد هم أول الشر ومبتداه.. ليتبين أنّ "بدعة اتخاذ القبور مساجد" هي التي ستنتهي إلى ما سيكون عليه حال النّاس عند قيام الساعة.. من الرجوع إلى عبادة الأصنام والشياطين. كما يتبين من الحديث أنّ البدعة يمتد أثرها إلى قيام الساعة. ولما كان انقطاع المبتدع عن أمته أثرًا للبدعة فإنّ هذا الانقطاع يمتد ـ أيضًا ـ إلى قيام الساعة.. حيث يُطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم.. وذلك من شؤم البدعة على صاحبها كما في الحديث: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَي َّشَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَي َّأَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ... فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي». ومن الطرد عن الحوض إلى الحساب: عن ابن عمر في قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [سورة آل عمران: 106]: "يعني تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة". وكان ذلك الانقطاع الممتد من الدنيا إلى الآخرة أثرًا للانقطاع عن الله الذي تمثل في: "عدم قبول العمل" كما قال الفضيل بن عياض: "أحبط الله عمله...". عدم التوفيق إلى التوبة: وذلك باعتبار أنّ البدعة تغيير للدين والحق.. وأنّ التوبة رجوع للدين والحق. فكان أمر الله بحجب كل صاحب بدعة من التوبة جزاءً له على تغيير الحق، الذي يَرجع إليه كلُّ من أراد التوبة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته». ومن الحساب إلى النّار.. وكمحصلة عادلة للانقطاع عن الله يكون دخول المبتدع النّار مع بدعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار». ولعلنا نلاحظ بقاء المبتدعين على الذل والمهانة في الدنيا حتى دخولهم النّار.. "ابتداءً" من وصف رسول الله لهم في الدنيا بقوله: «سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه». وفيه تشبيه لما تحدثه البدعة بصاحبها.. بما يحدثه الكَلَب بصاحبه. والكلَب كما يقول الزمخشري: "داء يصيب الإنسان إذا عقره الكلب الكَلِب". حتى دخولهم النّار يكون على تلك الصفة.. عَنْ ابْنِ أَبِي أَوفَى قال: قال رسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلَم: «الخَوارِجُ كِلابُ النَّارِ». ولكل ما سبق كانت البدعة أخطر أعمال الشيطان؛ إذ ينحصر ما يدعو الشيطان إليه في ست مراتب: 1- مرتبة الكفر والشرك ومعاداة الرسول. 2- ثم مرتبة البدعة، وهى أحب إليه من الفسوق والمعاصي؛ لأنّ المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها؛ لأنّ صاحبها يظنها حقيقة صحيحة؛ فلا يتوب. 3- ثم الكبائر على اختلاف أنواعها. 4- ثم الصغائر. 5- ثم الاشتغال بالمباحات. 6- مرتبة الانشغال بالعمل المفضول عما هو أفضل منه. ولذلك يقول ابن عباس: "والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحب إلى الشيطان هلاكًا مني! فقيل: وكيف؟! فقال: إنّه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إليَّ، فإذا انتهت إليَّ قمعتها بالسنة، فتُرد عليه كما أخرجها". والملاحظ في قول ابن عباس هو إحساسه بالمعركة الشخصية مع الشيطان من أجل إخماد البدعة.. وهو إحساس ضروري في مواجهتها؛ حيث يشعر كل مسلم أنّه بنفسه في معركة مع الشيطان.. من أجل القضاء على البدعة. وهذا الإحساس الشخصي بمعركة البدعة يكون بحساسية شديدة تتناسب مع خطرها.. فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكون رجلًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّه كان كلّما افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصّلاة ممّا يقرأ به افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1].. حتّى يفرغ منها ثمّ يقرأ سورةً أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كلّ ركعةٍ، فكلّمه أصحابه فقالوا: إنّك تفتتح بهذه السّورة ثمّ لا ترى أنّها تجزئك حتّى تقرأ بأخرى، فإمّا تقرأ بها وإمّا أن تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمّكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنّه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمّهم غيره، فلمّا أتاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبروه الخبر. فقال: «يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السّورة في كلّ ركعةٍ؟؟» فقال: إنّي أحبّها، فقال: «حبّك إيّاها أدخلك الجنّة». رغم أنّ الفعل جائز شرعًا.. غير أنّهم رأوا في هذا العمل مظهرًا جديدًا في التطبيق. وهؤلاء علماء الأمة يجعلون من التقابل بين السنة والبدعة أساسًا لتفسير القرآن.. والحقيقة: أنّ هذا التقابل ـ كأساس في التفسير ـ يرجع إلى المعالجة الموضوعية للآيات، كما يرجع إلى الحساسية الشديدة عند هؤلاء العلماء تجاه خطر البدعة.. ومن هنا يأتي تفسير الآيات مثبتٌ لإحساس علماء الأمة بشرِّ البدعة. عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة الحج: 9]، قال: "هو صاحب البدعة". يقول القشيري في قوله جل ذكره: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة التغابن: 11]. {يَهْدِ قَلْبَهُ} لاتباع السُّنَّةِ واجتنابِ البِدْعة. ويقول الإمام البغوي في تفسيره: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة:2]، قيل: "الإثم الكفر، والعدوان الظلم، وقيل: الإثم المعصية، والعدوان البدعة...". وفي تفسير ابن أبي حاتم عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ في قَوْله: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [سورة آل عمران: 8] أَيْ: بَعْدَمَا بَصَّرْتَنَا مِنَ الْهُدَى فِيمَا جَاءَ بِهِ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَالضَّلالَةِ. وقد سبق قول الإمام أبو عثمان النيسابوري في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء: 89]، قال: "هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة". ويقول الإمام الألوسي في تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [سورة إبراهيم: 1]، قال جعفر: "من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات البدعة إلى نور السنة، ومن ظلمات النفوس إلى نور القلوب". ويقول ابن الجوزي في تفسير قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [سورة المائدة: 40]، فيه قولان: أنَّه في الآخرة بعد إِنشائهم، أو أنَّه في الدنيا. ثم فيه خمسة أقوال حكاها الماوردي... الثالث: يعذِّب بمتابعة البدعة، ويرحم بملازمة السُّنَّة. وفي قَوْلَه تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [سورة النساء: 171]، قال قَتَادَةَِ: "لا تغلوا في دينكم". أي: لا تَبْتَدِعُوا. ولكن حساسية الأمة من البدعة يجب أن تكون كاملة بكمال عقيدة الأمة ودينها.. فلا يكون الكلام على بدعة في "النسك" دون البدعة في "الحكم" و"الولاء".. فتصب كل حساسية الأمة تجاه البدعة في بعض الدين دون بعضه. ومن هنا يجب أن تكون معاداة البدعة والحساسية تجاهها منبثقة عن التصور الكامل للإسلام. فالتحذير من البدعة لا بد أن يكون ملازمًا لكل قضايا الإسلام وكل بيان فيه، ودليل ذلك عهدُ النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في حديث العرباض رضي الله عنه، قال: صلَّى بنا رسُولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم ذات يومٍ، ثُمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العُيُونُ ووجلت منها القُلُوبُ، فقال قائلٌ: يا رسُول الله، كأنَّ هذه موعظةُ مُودِّعٍ! فماذا تعهدُ إلينا؟ فقال: «أُوصيكُم بتقوى الله والسَّمع والطَّاعة وإن عبدًا حبشيًّا، فإنَّهُ من يعش منكُم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكُم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء المهديِّين الرَّاشدين، تمسَّكُوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكُم ومُحدثات الأُمُور؛ فإنَّ كُلَّ مُحدثةٍ بدعةٌ، وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» وفي رواية: «وكلَّ ضلالةٍ في النَّار». والوصية بالسنة والتحذير من البدعة لا يكون إلاّ في واقع الطاعة المطلقة، التي تستطيع استيعاب هذه الوصية.. ومن هنا تقررت في الأمة قاعدة السمع والطاعة قبل الوصية بالسنة. وهي القاعدة التي تقررت بصورة نهائية في خطبة الوداع، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر النّبيّ صلّى اللّهُ عليه وسلّم قعد على بعيره وأمسك إنسانٌ بخطامه أو بزمامه، قال: «أيُّ يومٍ هذا؟» فسكتنا حتّى ظننّا أنّهُ سيُسمّيه سوى اسمه، قال: «أليس يوم النّحر؟» قُلنا: بلى، قال: «فأيُّ شهرٍ هذا؟» فسكتنا حتّى ظننّا أنّهُ سيُسمّيه بغير اسمه، فقال: «أليس بذي الحجّة» قُلنا: بلى، قال: «فإنّ دماءكُم وأموالكُم وأعراضكُم بينكُم حرامٌ كحُرمة يومكُم هذا في شهركُم هذا في بلدكُم هذا، ليُبلّغ الشّاهدُ الغائب؛ فإنّ الشّاهد عسى أن يُبلّغ من هُو أوعى لهُ منهُ». لنفهم أنّ أصحاب التصور الإسلامي الكامل هم أهل الوصية.. وأنّ أهل السمع والطاعة.. هم أهل السنة وأعداء البدعة.