مقالات مقروءة


اختيار الزوجة الصالحة


والقرآن يحدد ضرورة اختيار الزوجة أو الزوج بمقتضى الدعوة.


فيقول الله سبحانه: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة: 221).


وواضح من الآية حكمة رفض المشركة أو المشرك؛ في أنهم أصحاب دعوة إلى النار، وأن حياتهم المرتبطة بهذه الدعوة الباطلة لا تتفق مع المؤمن صاحب الدعوة إلى الله {وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} (البقرة: 221)، والدعوة إلى الله صبغة حياة الداعية، ولابد أن تكون الزوجة والزوج لوناً منسجماً ومتجانساً مع هذه الصبغة.


وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم لنا صفات الزوجة الصالحة بصفة عامة، بقوله: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة؛ إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك). وفي رواية: (ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته).


وعن ثوبان قال: (لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قال: (فأي مال نتخذه؟ قال عمر: أنا أعلم ذلك لكم، فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره، فقال يا رسول الله أي المال نتخذ؟ قال: ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة تعين أحدكم في أمر الآخرة).


ولن تعين الزوجة زوجها على أمر الآخرة إلا إذا أرادتها هي!


وهي صفة محددة مهمة يجب أن تتزود بها زوجة الداعية: أن تكون امرأة لا تريد إلا الآخرة، وهذه الصفة شرط أساسي لمعالجة الطبيعة الإنسانية للمرأة في واقع الدعوة؛ لأن المرأة ستضحي بإحساس الأمان في حياتها والحماية من زوجها، كما أن المرأة ستضحي بالتميز المادي، وهذه كلها أمور تفرضها الدعوة على الزوجين اللذين يعيشان في واقعها، سواء أكانت الدعوة في مرحلة الاستضعاف والجهاد من أجل التمكين، أو في مرحلة التمكين لكي لا يتحول هذا التمكين إلى إمكانية مادية لتطلعات المرأة ورغباتها.


وهؤلاء هن نسوة النبي صلى الله عليه وسلم يتظاهرن عليه ويطالبن بتغير المعيشة بعد أن جاءت الأموال وتحقق التمكين؛ فأمر الله سبحانه النبي صلى الشله عليه وسلم أن يضع نساءه بين الرضا بالمعيشة التي هن عليها أو الطلاق، فجاء قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 27 – 29).


فجاء ذكر ميراث الأرض والديار والأموال – وهو السبب الذي جعل النساء يطالبن بتغير المعيشة – قبل التخير بين الدنيا والله ورسوله والدار الآخرة. فالمرأة بطبيعة الضعف والطموح والرغبات المادية لا يمكن أن تصدق في جهاد إلا إذا تجردت من تلك الصفات وأرادت الآخرة.


للمرأة تأثيراً مباشراً في إحساس زوجها بالدنيا!


وكما أن إرادة الآخرة شرط في زوجة الداعية لتحمل تكاليف الدعوة فهي أيضاً شرط لكي لا يكون لها تأثير سيىء في زوجها؛ إذ إن للمرأة تأثيراً مباشراً في إحساس زوجها بالدنيا؛ ولهذا يعالج القرآن نظرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا من خلال توجيه زوجاته إلى العبادة، فيكون تصحيح موقف الزوجة تصحيحاً لإحساس الزوج: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه 131 – 132).


حب التميز


وتحقق إرادة الآخرة يعتبر أساساً لمعالجة صفة خطيرة في المرأة وهي (حب التميز)، إذ يجب توجيه هذا الشعور إلى الآخرة تفادياً خطر اتجاهه نحو الدنيا؛ حتى يتفق تجردها للدعوة، وقد عالج القرآن هذا الشعور عند نساء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (التحريم: 5).


ففي هذه الآية استفزازاً صريح لهذا الشعور من خلال النص: {خَيْرًا مِّنكُنَّ}، لأن هذا النص أوجد في إحساس نساء النبي وجود نساء أخريات خيراً منهن، وأصبح حبهن للتميز متجهاً نحو تحقيق الصفات التي ذكرها القرآن للنساء البديلات، وبذلك يصبح التميز دافعاً للعمل الصالح.


ولقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هذا الأسلوب القرآني فكان يربط التميز بينهن بصالح العمل، فيقول: (ستتبعني منكن أطولكن يداً) يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم ستلحق بي في الآخرة أكثركن كرماً، ولكن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم فهمن أن المقصود هو الطول الفعلي، فأخذت كل واحدة تقيس ذراعها، وتقارنه بذراع الأخريات؛ فأضحك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.


إدخالها في واقع الدعوة


واختيار زوجة الداعية يجب أن يكون باعتبارها أنه إدخال امرأة في واقع الدعوة، وليس مجرد إدخال امرأة في حياة شخص، وهذه مسئولية الداعية صاحب الاختيار، وهي مسئولية ليست سهلة؛ فمن أجل هذه المسئولية كان الأمر بامتحان النساء عند دخول واقع الدعوة في المدينة، إذ جئن مهاجرات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: 10).


فالمرأة تحمل في طبيعتها عناصر خطيرة مثل عنصر الضعف الذي قد يكون تفسيرا لهجرتها، حيث تكون الهجرة ودخول الواقع الإسلامي هروبا من واقع شخصي سيئ لها في جاهليتها لم تستطع مواجهته أو تحمله، أو عنصر الكيد الذي قد يجعل هجرتها ودخولها الواقع الإسلامي مجرد وسيلة أو أسلوب لتحقيق مأرب شخصي أو هدف ذاتي لها، وما يقال في الهجرة يقال في الزواج لأن كلا الأمرين إدخال للمرأة في واقع الدعوة، ودليل هذه الافتراضات هو تفسير ابن عباس: (كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجنا إلا حبا لله ولرسوله)، وقول مجاهد: (فامتحنوهن) فاسألوهن عما جاء بهن، فإن كان الذي جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخط أو غيره، ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن، قال عكرمة: (يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله؟ وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك؟).


شرط التكافؤ


وفي اختيار الزوج أو الزوجة شرط معروف باسم (شرط التكافؤ). وفي تحقيق هذا الشرط يجب أن تدخل ظروف الدعوة؛ لأن قبول الأخ المسلم باعتبار ما قدمه للدعوة من جهاد وبذل يعني ترسيخ قيم المجتمع المسلم عندما يقوم ومن هنا يجب أن تنشأ في التجمع الإسلامي الحاسة السليمة التي يأخذ بها كل فرد حقه الاجتماعي بين المسلمين.


ويشترط ألا يتحول تاريخ الدعاة إلى مهور للزواج، فلا يتكلم أحد عن نفسه ولا يذكر جهادا جاهدة ولا محنة أصابته ويصير هذا الحق مرتبطا بتلك الحاسة الاجتماعية العادلة. وفى حادثة زواج بلال دليل على هذه الحاسة وذلك الشرط،إذ قال فيه من قدمه لخطبة إحدى النساء أنه مؤذن رسول الله وصاحبه في جهاده… فاسكته بلال قائلا: (إن تقبلوا فالحمد لله، وإن ترفضوا فسبحان الله!).


وقبول الأخ باعتبار ما قدمه للدعوة من جهاد لا يجب أن يكون هو السبب الوحيد في هذا القبول، وإن كان أساساً له، لأنه – بجانب هذا – يجب أن تكون الزوجة مقتنعة بزوجها اجتماعياً وشخصياً ومادياً، لأنه لو قام اختيار الأخ باعتبار دوره في الدعوة فقط فإن هذا سيترتب عليه أن يكون من ضرورات اطمئنان الزوجة إلى زوجها والرضا بمعيشته هو أن تعرف كل شيء عن دوره في الدعوة، لأن المرأة تحب بطبعها أن ترى في زوجها أسباب اقتناعها به، فينشأ خطر رياء الزوج لزوجته في جهاده ودعوته وعمله.


من الأخطاء الشائعة في اختيار الزوجة


ومن الأخطاء الشائعة في اختيار الزوجة امتحانها فكرياً من خلال منهج الحركة الإسلامية وبصورة دقيقة والخطأ في ذلك أن دور المرأة في الجهاد محدد بقوله صلى الله عليه وسلم: (جهادكن حج مبرور)، وعلى هذا فيكون الفكر الحركي – كضرورة للجهاد – ليس داخلاً في دور المرأة ولكن من الممكن أن يكون الامتحان الفكري باعتبار الاطمئنان على ذكائها، أو الاطمئنان على استقرارها الفكري خوفاً من ظاهرة التقلب الفكري المرتبطة بظروف الفتنة الفكرية لضمان الاستقرار الاجتماعي بعد الزواج، والجدير بالذكر أن المرأة غالباً ما تتبع ما عليه الزوج، وهذه الحقيقة يجب ألا تجعل الأخ يعوَّل كثيراً على الاختبار الفكري في جلسة الاختيار.


وفي جلسة الاختيار والخطبة غالباً ما يكون الأخ حريصاً على إعطاء صورة خطيرة لمستقبله، وذلك باعتبار الأمانة والاطمئنان على موقف الأخت التي سيتزوجها، والواجب في هذا الأمر باعتبار الأمانة فإنه يكفي فيه الأخ إعلان موقفه كمسلم يعيش في مجتمع جاهلي، وباعتبار الاطمئنان على موقف الأخت فإن قبولها للزواج من الأخ المسلم يعني ضمناً الاستعداد لتحمُّل الصعاب الناشئة عن اتخاذ الموقف الإسلامي الصحيح في المجتمع الجاهلي، ولكن ليس من الصواب الاستطراد في ذكر الخطر والمبالغة في تصوير المحن، إذ إنه قد يصل الصواب الاستطراد في ذكر الخطر والمبالغة في تصوير المحن، إذ إنه قد يصل هذا الخطأ إلى حد تشعر فيه الأخت أن الذي أمامها ليس خطيباً يريد الزواج، ولكنه مصيبة أتتها، وبلاء تمر به.


قطوف من كتاب بيت الدعوة